سجود الملائكة ومعناه ومدة مكثه عليه السلام في الجنة، وأنها أية جنة كانت، ومعنى تعليمه الأسماء
- بالأسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه أمر العقبة: إن المنافقين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرنا عن علي عليه السلام أهو أفضل أم ملائكة الله المقربون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهل شرفت ملائكة الله إلا بحبها لمحمد وعلي، وقبولها لولايتهما ؟ إنه لا أحد من محبي علي عليه السلام نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إلا لكان أطهر وأفضل من الملائكة، وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا وهم - يعنون أنفسهم - أفضل منهم في الدين فضلا"، وأعلم بالله وبدينه علما"، فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطؤوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الأسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم أن ينبئهم بها وعرفهم فضله في العلم عليهم. ثم أخرج من صلب آدم ذرية منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار امة محمد، وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال وقاسوا ما هم فيه من تعرض أعوان الشياطين، ومجاهدة النفوس واحتمال أذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الأعداء من لصوص مخوفين، ومن سلاطين جورة قاهرين، وصعوبة في المسالك في المضائق والمضائق والمخاوف والأجزاع والجبال والتلال لتحصيل أقوات الأنفس والعيال من الطيب الحلال، عرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها، ويتحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها، ويغلبونها مع ما ركب فيه من شهوة الفحولة وحب اللباس والطعام، والعز والرئاسة والفخر والخيلاء، ومقاساة العناء والبلاء من إبليس لعنه الله وعفاريته، و خواطرهم وإغوائهم واستهوائهم، ودفع ما يكيدونه من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله، وسماع الملاهي والشتم لأولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم، والهرب من أعداء دينهم، أو الطلب لما يألمون معاملته من مخالفيهم في دينهم، قال الله عزوجل: يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل: لا شهوات الفحولة تزعجكم، ولا شهوة الطعام تحفزكم، ولا خوف من أعداء دينكم ودنياكم ينخب في قلوبكم، ولا لابليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم، يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا، واكتسب من القربات إلي ما لم تكتسبوا، فلما عرف الله ملائكته فضل خيار امة محمد صلى الله عليه وآله وشيعة علي وخلفائه عليهم السلام عليهم، واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا يحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم ثم قال: فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا " على أنوار هذه الخلائق الأفضلين، ولم يكن سجودهم لآدم، إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عزوجل وكان بذلك معظماً مبجلاً له، ولا ينبغي لأحد أن يسجد لاحد من دون الله، يخضع له خضوعه لله، ويعظمه بالسجود له كتعظيمه لله، ولو أمرت أحدا " أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم رسول الله صلى الله عليه وآله، و محض وداد خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله، واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله، ولم ينكر علي حقا " ارقبه عليه قد كان جهله أو أغفله.
- في جواب مسائل الزنديق عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأل أيصلح السجود لغير الله ؟ قال: لا، قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود ؟ فقال: إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله فكان سجوده لله إذ كان عن أمر الله. ثم قال عليه السلام: فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده ويوحده، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى
امتحنه بسجود آدم، فامتنع من ذلك حسدا " وشقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك، وأخرجه عن صفوف الملائكة، وأنزله إلى الأرض مدحورا "، فصار عدو آدم وولده بذلك السبب، وماله من السلطنة على ولده إلا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته.
- عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سجدت الملائكة لآدم عليه السلام ووضعوا جباههم على الأرض ؟ قال: نعم تكرمة من الله تعالى.
- عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال: إن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدم.
- عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام أن يهوديا سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن معجزات النبي في مقابلة معجزات الأنبياء، فقال: هذا آدم أسجد الله له ملائكته، فهل فعل بمحمد شيئا " من هذا ؟ فقال علي عليه السلام: لقد كان ذلك، ولكن أسجد الله لآدم ملائكته، فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة إنهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل، ولكن اعترافا لآدم بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد صلى الله عليه وآله اعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله جل وعلا صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنون بالصلاة عليه، فهذه زيادة له يا يهودي.
- عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك - وساق الحديث إلى أن قال -: ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما " لنا وإكراما " وكان سجودهم لله عزوجل عبودية ولآدم إكراما " وطاعة، لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون ؟ .
- خلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا "، وكان يمر به إبليس اللعين فيقول: لأمر ما خلقت، فقال العالم عليه السلام: فقال إبليس لئن أمرني الله بالسجود لهذا لعصيته، قال: ثم نفخ فيه فلما بلغت فيه الروح إلى دماغه عطس فقال: الحمد لله، فقال الله له: يرحمك الله، قال الصادق عليه السلام: فسبقت له من الله الرحمة، ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة: اسجدوا لآدم فسجدوا له، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد، فأبى أن يسجد فقال الله عزوجل: " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك " فقال: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال الصادق عليه السلام: فأول من قاس إبليس واستكبر، والاستكبار هو أول معصية عصي الله بها، قال: فقال إبليس: يا رب اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فقال الله: لا حاجة لي إلى عبادتك، إنما اريد أن اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد، فأبى ان يسجد فقال الله تبارك وتعالى: "اخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " قال إبليس: يا رب فكيف وأنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل ؟ قال: لا ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا " لعملك اعطك، فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين، فقال الله: قد أعطيتك، قال: سلطني على ولد آدم، قال: سلطتك، قال: أجرني فيهم مجرى الدم في العروق، قال: قد أجريتك، قال: لا يولد لهم واحد إلا ولد لي إثنان، و أراهم ولا يروني، وأتصور لهم في كل صورة شئت، فقال: قد أعطيتك، قال: يا رب زدني قال: قد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطانا "، قال: رب حسبي، قال إبليس عند ذلك: " فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ".
- عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاء من القوة قال آدم: يا رب سلطت إبليس على ولدي، أجريته فيهم مجرى الدم في العروق، وأعطيته ما أعطيته، فما لي ولولدي ؟ فقال: لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها، قال: يا رب زدني، قال: التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم، قال: يا رب زدني، قال: أغفر ولا ابالي، قال: حسبي. قال: قلت: جعلت فداك بماذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه ؟ فقال: بشئ كان منه شكره الله عليه، قلت: وما كان منه جعلت فداك ؟ قال: ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة.
- كتاب فضائل الشيعة للصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا " مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل إليه رجل فقال: يارسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل لإبليس: " أستكبرت أم كنت من العالين " فمن هم يارسول الله الذين هم أعلى من الملائكة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن خلق الله عزوجل آدم بألفي عام، فلما خلق الله عزوجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يأمرنا بالسجود، فسجدت الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس فإنه أبى أن يسجد، فقال الله تبارك وتعالى: " أستكبرت أم كنت من العالين " أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش.
- عن أبي جعفر محمد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى اخرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أهبطهما الله من يومهما ذلك.
- بالإسناد إلى وهب قال: لما أسجد الله عزوجل الملائكة لآدم عليه السلام وأبى إبليس أن يسجد قال له ربه عزوجل: " اخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " ثم قال عزوجل لآدم: يا آدم انطلق إلى هؤلاء من الملائكة فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام و رحمة الله بركاته، فلما رجع إلى ربه عزوجل قال له ربه تبارك وتعالى: هذا تحيتك و تحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة.
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن جنة آدم، فقال: جنة من جنان الدنيا يطلع عليها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا ".
- عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أكان إبليس من الملائكة أم من الجن ؟ قال: كانت الملائكة ترى أنه منها، وكان الله يعلم أنه ليس منها، فلما امر بالسجود كان منه الذي كان.
- عن هشام بن سالم، عن الصادق عليه السلام قال: امر إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا رب وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها، قال الله جل جلاله: إني احب أن اطاع من حيث اريد. وقال: إن إبليس رن أربع رنات أولهن يوم لعن، ويوم اهبط إلى الأرض، وحيث بعث محمد صلى الله عليه وآله على فترة من الرسل، وحين انزلت ام الكتاب، ونخر نخرتين: حين أكل آدم من الشجرة، وحين اهبط من الجنة. وقال في قوله تعالى: " فبدت لهما سوآتهما " كانت سوآتهما لا ترى فصارت ترى بارزة. وقال: الشجرة التي نهي عنها آدم هي السنبلة.
- عن الصادق عليه السلام إن الله تبارك و تعالى علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله كلها، ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة فقال: " انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " أنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم و تقديسكم من آدم: " قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " قال الله تبارك وتعالى: " يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم " وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته، ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم: " ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ".
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال: " خلقتني من نار وخلقته من طين " فلو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم بالنار كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار.
- عن أبي العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله: " وعلم آدم الأسماء كلها " ماذا علمه ؟ قال: الأرضين والجبال والشعاب والأودية، ثم نظر إلى بساط تحته فقال: وهذا البساط مما علمه.
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له. فقالت الملائكة في أنفسها: ما كنا نظن أن الله خلق خلقا أكرم عليه منا. فنحن جيرانه ونحن أقرب خلقه إليه. فقال الله: " ألم أقل لكم إني أعلم ما تبدون وما تكتمون " فيما أبدوا من أمر بني الجان. وكتموا ما في أنفسهم. فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش.
- عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إبليس أكان من الملائكة أو كان يلي شيئا " من أمر السماء ؟ فقال: لم يكن من الملائكة، وكانت الملائكة ترى أنه منها، وكان الله يعلم أنه ليس منها، ولم يكن يلي شيئا " من أمر السماء ولا كرامة، فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكر، وقال: كيف لا يكون من الملائكة والله يقول للملائكة: " اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " فدخل عليه الطيار فسأله وأنا عنده فقال له: جعلت فداك قول الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا " في غير مكان في مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذه المنافقون ؟ فقال: نعم يدخلون في هذه المنافقون والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة.
- عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن أول كفر كفر بالله، حيث خلق الله آدم كفر إبليس حيث رد على الله أمره، وأول الحسد حيث حسد ابن آدم أخاه، وأول الحرص حرص آدم، نهي عن الشجرة فأكل منها فأخرجه حرصه من الجنة.
- عن رجل من أهل الشام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة.
- قوله عزوجل: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " قال الإمام عليه السلام: قال الله تعالى: كان خلق الله لكم ما في الأرض جميعا " إذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم في ذلك الوقت خلق لكم، قال عليه السلام: ولما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه قال لعسكره: أنتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم، وقال لأهل بيته: قد جعلتكم في حل من مفارقتي فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري فدعوني و القوم. فإن الله عزوجل يعينني ولا يخليني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيبين. فأما عسكره ففارقوه، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا: لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك، فقال لهم: فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأن الله وإن كان خصني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى، واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقي من شقي فيها، أولا احدثكم بأول أمرنا وأمركم معاشر أوليائنا ومحبينا والمتعصبين لنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له مقرون ؟ قالوا: بلى يابن رسول الله قال: إن الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شئ وعرضهم على الملائكة جعل محمدا " وعليا " وفاطمة والحسن والحسين أشباحا " خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضئ في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي و العرش، فأمر الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيما " له إنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها في الآفاق، فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت وقد تواضعت لها الملائكة كلها فاستكبر وترفع و كان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين. قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: حدثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال: يا عباد الله: إن آدم لما رأى النور ساطعا " من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبين الأشباح، فقال: يا رب ما هذه الأنوار ؟ قال الله عزوجل: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح، فقال آدم: يا رب لو بينتها لي، فقال الله تعالى: انظر يا آدم إلى ذروة العرش، فنظر آدم - ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم - على ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية، فرأى أشباحنا فقال: ما هذه الأشباح يا رب ؟ فقال الله: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي: هذا محمد وأنا الحميد والمحمود في أفعالي شققت له اسما " من اسمي، وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسما " من اسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعتريهم ويشينهم فشققت لها اسما " من اسمي، وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت لها اسما " من اسمي، هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ وبهم اعطي وبهم اعاقب وبهم اثيب، فتوسل إلي بهم يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسما " حقا " لا اخيب بهم آملا "، ولا أرد بهم سائلا فلذلك حين نزلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتاب عليه وغفر له.
- قال السيد بن طاوس في سعد السعود: رأيت في صحف إدريس على نبينا وآله وعليه السلام في ذكر سؤال إبليس وجواب الله له قال: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال: لا ولكنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، فإنه يوم قضيت وحتمت أن اطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي، وأنتخب لذلك الوقت عبادا " لي امتحنت قلوبهم للأيمان وحشوتها بالورع والأخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم. والصبر والوقار والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عندي يدينون بالحق وبه يعدلون، أولئك أوليائي حقا "، اخترت لهم نبيا مصطفى، وأمينا " مرتضى، فجعلته لهم نبيا " ورسولا " و جعلتهم له أولياء وأنصارا "، تلك امة اخترتها للنبي المصطفى وأميني المرتضى، ذلك وقت حجبته في علم غيبي، ولابد أنه واقع، ابيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين، فاذهب فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، ثم قال الله لآدم: قم فانظر إلى هؤلاء الملائكة الذين قبالك، فإنهم من الذين سجدوا لك، فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأتاهم فسلم عليهم كما أمره الله، فقالوا: وعليك السلام يا آدم ورحمة الله وبركاته، فقال الله: هذه تحيتك يا آدم وتحية ذريتك فيما بينهم إلى يوم القيامة. ثم ذكر شرح خلق ذرية آدم وشهادة من تكلف منهم بالربوبية والوحدانية لله جل جلاله ثم قال: ونظر آدم إلى طائفة من ذريته يتلألؤ نورهم يسعى، قال آدم: ما هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الأنبياء من ذريتك، قال: كم هم يا رب ؟ قال: هم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، المرسلون منهم ثلاثمائة وخمسة عشر نبيا " مرسلا "، قال: يا رب فما بال نور هذا الأخير ساطعا " على نورهم جميعا ؟ قال: لفضله عليهم جميعا "، قال: ومن هذا النبي يا رب ؟ وما اسمه ؟ قال: هذا محمد نبيي ورسولي وأميني ونجيبي ونجيي وخيرتي وصفوتي وخالصتي وحبيبي وخليلي وأكرم خلقي علي، وأحبهم إلي، وآثرهم عندي، وأقربهم مني، وأعرفهم لي، وأرجحهم حلما " وعلما " وإيمانا " ويقينا " وصدقا " وبرا " وعفافا " وعبادة وخشوعا " وورعا " وسلما " وإسلاما "، أخذت له ميثاق حملة عرشي فما دونهم من خلائقي في السماوات والأرض بالإيمان به والأقرار بنبوته فآمن به يا آدم تزد مني قربة ومنزلة وفضلا " ونورا " ووقارا " قال آدم: آمنت بالله وبرسوله محمد، قال الله: قد أوجبت لك يا آدم وقد زدتك فضلا " وكرامة أنت يا آدم أول الأنبياء والمرسلين، وابنك محمد خاتم الأنبياء والرسل، وأول من تنشق الأوض عنه يوم القيامة، وأول من يكسى ويحمل إلى الموقف، وأول شافع وأول مشفع، وأول قارع لأبواب الجنان، وأول من يفتح له، وأول من يدخل الجنة، قد كنيتك به فأنت أبو محمد، فقال آدم: الحمد لله الذي جعل من ذريتي من فضله بهذه الفضائل وسبقني إلى الجنة ولا أحسده. ثم ذكر مشاهدة آدم لمن أخرج الله جل جلاله من ظهره من جوهر ذريته إلى يوم القيامة، واختياره للمطيعين. وإعراضه عليه السلام عن العصاة له سبحانه، وذكر خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام.
- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو أن الله خلق الخلق كلهم بيده لم يحتج في آدم أنه خلقه بيده فيقول: " ما منعك أن لا تسجد لما خلقت بيدي " أفترى الله يبعث الأشياء بيده !.
- عن إسحاق بن جرير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ يقول أصحابك في قول إبليس: " خلقتني من نار وخلقته من طين " ؟ قلت: جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه، قال: كذب يا إسحاق ما خلقه الله إلا من طين، ثم قال: قال الله: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا " فإذا أنتم منه توقدون " خلقه الله من ذلك النار من تلك الشجرة، والشجرة أصلها من طين.
- عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: " إلى يوم الوقت المعلوم " قال: يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس قال علي بن إبراهيم: فقال الله: " الحق " أي إنك تفعل ذلك، والحق أقوله: " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ".